00:00:03
هل السرقة من أجل إطعام عائلتك أمرٌ خاطئ؟
00:00:05
هل يوجد مايسمى بالكذبة الجيدة؟
00:00:07
تقع تلك الأسئلة ضمن نطاق فلسفة الأخلاق -وهي من فروع الفلسفة التي تدرس الأخلاقيات، أو السلوك الجيد والسيئ.
00:00:13
لكن وقبل أن نحلل أسئلة كتلك؛ نحن بحاجة إلى التعمق أكثر في فلسفة مابعد الأخلاق -التي تدرس القواعد الأساسية للأخلاق ذاتها.
00:00:20
فتسأل فلسفة مابعد الأخلاق أسئلةً أساسية مثل: ماهي الأخلاق؟
00:00:24
وما طبيعتها؟
00:00:25
هل هي شيء مجرد في هذا العالم بانتظار الإشارة إليه؟
00:00:29
أم هل هي بمثابة تفضيلات أو آراء معينة، أو ربما مجموعة أعرافٍ ثقافية؟
00:00:33
توجد الكثير من التوجهات لفلسفة مابعد الأخلاق في هذا العالم.
00:00:36
والسبيل الوحيد لفهمها هو بوضعها في اختبار لنرى كيف ستساعدنا على حل بعض من المشاكل الأخلاقية الشائكة.
00:00:42
كموقف تضطر فيه لسرقة طعام أو الكذب من أجل سبب وجيه.
00:00:46
أو .. ماذا عن هذا الموقف: ماذا لو خططت لإلحاق الضرر بأحدهم لكن الأمر انتهى بك إلى انقاذه عن غير قصد؟
00:00:52
[موسيقى الخلفية]
00:01:02
يعتقد البعض أن الأخلاق نوع من العلوم، وأنه يسعى لاكتشاف الحقائق الأخلاقية، التي من ممكن اختبار وإثبات وجودها.
00:01:09
بينما يعتقد آخرون أن طبيعة الأخلاق شخصية تمامًا، كمسألة تفضيلك لحلوى إم أند إمز بالشوكولاتة أو الفول السوداني.
00:01:15
حيث لاتوجد لها إجابة صحيحة فحسب.
00:01:17
ما لم تكن تُعاني من حساسية الفول السوداني بالطبع!
00:01:18
فقد تتفق تمامًا مع صديقك في ما إذا كان أمر ما غير أخلاقي أم لا، لكنكما قد تختلفان بشدة حول السبب.
00:01:24
وكمثال على موقف أخلاقي غامض؛ سنتوجه مباشرة لفقاعة الأفكار لبعض من اللمحات الفلسفية.
00:01:30
خطّط لص ما لسرقة منزل امرأة مُسنة في صباح يوم الأحد، في وقت يعلم فيه بأنها ستكون في الكنيسة دائمًا.
00:01:36
لذا تسلّل في يوم أحد ما لنافذة المنزل الخلفية، وحطّمها بالمطرقة.
00:01:40
لكن وبعدما نظر إلى داخل المنزل، رأى بأن المرأة لم تذهب للكنيسة.
00:01:43
فقد كانت مُمدة على الأرض ورأسها للأسفل.
00:01:46
خاف اللص من منظرها هذا فهرب.
00:01:48
فهو قد خطّط لجريمة سرقة صغيرة، لكن اعتقاله من أجل جريمة قتل لم يكن جزءً من خطته!
00:01:53
لكن مالم يعلمه اللص أن المرأة لم تكن ميتة.
00:01:56
بل كانت فاقدة للوعي، بسبب تسرب في أول أكسيد الكربون والذي كان سيتسبب بوفاتها.
00:02:00
لكن تحطيم اللص للنافذة سمح بخروج الغاز السام ودخول الهواء النقي للمنزل، وأيضًا باستعادتها لوعيها.
00:02:07
إذن، فلقد اقتحم اللص المنزل بنية سرقة المرأة، ولكنه أنقذ حياتها من غير قصد.
00:02:13
فهل مافعله اللص أمرٌ جيد؟
00:02:15
هل يستحق الثناء على ذلك برغم أنه لم يقصد مساعدتها؟
00:02:19
أم هل مازال يستحق العقاب، برغم أنه لم يسرق شيئًا بل انتهى به الأمر إلى إنقاذها؟
00:02:25
شكرًا لفقاعة الأفكار!
00:02:26
ستساعدك إجابتك على تلك الأسئلة على اكتشاف مكمَن حواسك الأخلاقية.
00:02:30
وستبين لك الطريقة التي أجبت بها الكثير عن الرؤية الفلسفية لمابعد الأخلاق التي تتبناها.
00:02:35
الواقعية الأخلاقية هي إحدى أكثر الرؤى الفلسفية انتشارًا لمابعد الأخلاق، وهي تعتقد بوجود الحقائق الأخلاقية مثلما توجد الحقائق العلمية.
00:02:44
ووفقًا لهذه الرؤية، فإن أي فرضية أخلاقية إما أن تكون صحيحة أو خاطئة.
00:02:48
وللعديد منا، فإن الحدس الغريزي هو ما يخبرنا بتلك الحقائق الأخلاقية.
00:02:52
فبعض الأمور خاطئة فحسب، والأخرى صحيحة دون جدل.
00:02:56
وعلى سبيل المثال، يعتقد الكثير من الأشخاص بأن العنف غير المُبرر سلوك خاطئ دائمًا، ورعاية الأطفال سلوك صحيح دائمًا، مهما كانت المسألة.
00:03:02
لكنك لاتحتاج للتعمق أكثر في الواقعية الأخلاقية قبل أن تقع في المشاكل.
00:03:06
وكمثال على بعض منها مايلي، لو كان هناك وجود للحقائق الأخلاقية فمن أين أتت؟
00:03:09
كيف لنا أن نعرف ماهي؟
00:03:10
هل هي حقائق قابلة للاختبار كالحقائق العلمية؟
00:03:13
هل هي حقائق قابلة للتفنيد؟
00:03:14
ولو أن الأخلاق مبنية على حقائق، فلماذا هناك الكثير من الخلافات حيال ماهو أخلاقي وماعكس ذلك؟ مقارنةً بالحقائق العلمية حيث يغلب عليها الإجماع بالرأي؟
00:03:22
وهذه هي ماتُعرف بمشكلة التأسيس.
00:03:25
فالمشكلة التأسيسية الأخلاقية هي في البحث عن أساس لمُعتقداتنا الأخلاقية، أساسٌ متين يجعل من تلك المُعتقدات أمرًا حقيقيًا بطريقة واضحة وموضوعية وثابتة.
00:03:35
وإن لم تعثر على طريقة لتأسيس الأخلاق، فربما تتوجه نحو رؤية مابعد أخلاقية أخرى مثل: اللاواقعية الأخلاقية.
00:03:41
وهي التي تقول بأن الفرضيات الأخلاقية لا تشير إلى خصائص مجردة للعالم إطلاقًا- وبأنه لاوجود للحقائق الأخلاقية.
00:03:48
لذا يجادل أتباع هذه الرؤية (اللاواقعيين الأخلاقيين) بعدم وجود شيء خاطئ في حد ذاته حول العنف غير المبرر.
00:03:53
وكما قالوا، لو نظرت إلى بقية الحيوانات فسترى بأن رعاية أطفالك أمرُ غير مهم للغاية.
00:03:58
ربما الأخلاق ليست ذات الشيء للجميع.
00:04:01
لكن لايزال أغلب من تعرفهم -بما فيهم أنت- ملتزمين ببعض أنواع الواقعية الأخلاقية.
00:04:06
ويوجد لها الكثير من الأنواع.
00:04:09
لذا لنتعرف على بعضٍ من أشهرها.
00:04:12
فبعض الواقعية الأخلاقية تكون مُطلقة أخلاقيًا.
00:04:15
فهم لا يؤمنون بالحقائق الأخلاقية فحسب، بل أيضًا أن بعض الحقائق الأخلاقية لاتتغير مُطلقًا.
00:04:21
وبالنسبة لهم، إذا كان أمر ما خاطئًا فهو خاطئ بغض النظر عن الثقافة أو الحالة.
00:04:25
فالحقائق الأخلاقية تُطبق كقانون كونيّ مستمر مثل الجاذبية أو سرعة الضوء.
00:04:30
لو بدى لك أن النظرية المُطلقة الأخلاقية صارمة جدًا، فربما تروق لك النسبية الأخلاقية.
00:04:34
تقول هذه الرؤية بأنه يوجد أكثر من موقف أخلاقي صحيح لمسألة ما.
00:04:38
أحد أهم وأشهر فئات النسبية الأخلاقية مايعرف بالنسبية الثقافية.
00:04:42
لكن في الحقيقة يوجد نوعان مختلفان من النسبية الثقافية قد يقصدهما من يتحدث عنها:
00:04:47
أشهرها النسبية الثقافية الوصفية.
00:04:51
وهي تؤمن ببساطة أن مُعتقدات الأشخاص الأخلاقية تختلف من ثقافة لأخرى.
00:04:55
لا أحد يختلف مع هذا -فهو يبدو أمرًا صحيحًا بوضوح.
00:04:59
فمثلًا، تؤمن بعض الثقافات بأن عقوبة الإعدام أمر صحيح أخلاقيًا، وآخرون يرونه أمرًا خاطئًا أخلاقيًا -بما أن قتل إنسان آخر أمر غير أخلاقي في ذاته.
00:05:06
لكن توجد أيضًا النسبية الثقافية المعيارية، والتي تقول بأن التي تختلف من ثقافة لأخرى ليست مُعتقداتنا إنما الحقائق الأخلاقية ذاتها.
00:05:14
وبالنسبة لهذه الرؤية، فإن عقوبة الإعدام صحيحة أخلاقيًا في ثقافات ما وخاطئة أخلاقيًا في أخرى
00:05:21
فهنا اختلفت الحقائق الأخلاقية لمسألة ما بناءً على الثقافة.
00:05:25
ربما تروق لك نظرية النسبية الثقافية المعيارية كما فعلت للوهلة الأولى للعديد من الأشخاص
00:05:29
لأنها تبدو وكأنها تتمحور حول الاندماج والتسامح.
00:05:32
فمن أنا لأخبر الثقافات الأخرى بالطريقة التي يجب أن يعيشوا بها، أليس كذلك؟
00:05:35
لكن في الحقيقة تحمل هذه النظرية بعضًا من الأخطاء الفادحة
00:05:37
فلو أن كل ثقافة هي المُحكم الوحيد لما هو صحيح بالنسبة لها، فهذا يعني عدم وجود أي ثقافة من الممكن أن تكون خاطئة.
00:05:43
فهذا يعني أن الثقافة النازية صحيحة، لمن عاشوا فيها.
00:05:47
بينما الأصوات الألمانية المُقاومة للنازية لعام 1940 من الممكن أن تكون مخطئة، إذا زعمت بأن اليهود يستحقون معاملة كالألمانيين الآخرين.
00:05:55
ومما يجعل الأمور أكثر غرابة أنه إذا كانت النسبية الثقافية المعيارية صحيحة؛ فإن مفهوم التقدم الأخلاقي لا معنى له كذلك.
00:06:03
فإذا كان مايفعله الجميع الآن صحيحًا بالنسبة إلى ثقافتهم؛ إذن لايوجد أي سبب يدعو لتغيير أي شيء.
00:06:09
تقود المشاكل كهذه البعض إلى إعادة النظر إلى الموقف اللاواقعي، والذي إن كنت تتذكره، يزعم بعدم وجود حقائق أخلاقية على الإطلاق.
00:06:17
فإحدى نظريات اللاواقعية الأخلاقية هي مايعرف بالموضوعية الأخلاقية.
00:06:21
والتي تقول بأن الجمل الأخلاقية من الممكن أن تكون صحيحة أو خاطئة -جيدة أو سيئة- لكنها تشير فقط إلى سلوك الأشخاص بدلًا عن تصرفاتهم.
00:06:28
وبهذا الرأي، فإن عقوبة الإعدام ليست بأمر جيد أو سيئ، بل تتفاوت تفضيلات الأشخاص حيال هذا الأمر.
00:06:34
وتلك التفضيلات هي المفتاح إلى السلوكيات الشخصية، لا إلى الحقائق الأخلاقية المجردة أو الواقعية.
00:06:40
فمثلًا، يرى البعض بأن عقوبة الإعدام أمرٌ عادل.
00:06:43
وآخرين يعارضون ذلك بأنه ليس عدلًا.
00:06:45
لكنها لاتتعمق لأكثر من هذا.
00:06:47
فلاوجود لحقائق أخلاقية إنما سلوكيات أخلاقية.
00:06:50
هناك نظريات أخرى لكلا الواقعية واللاواقعية الأخلاقية، لكن ينبغي لماسبق أن يعطيك فكرة عامة عن فلسفة مابعد الأخلاق.
00:06:57
ويبدو الآن كما لو أنني أعطيتك العديد من المشاكل بدلًا من الحلول.
00:07:00
فلنتحدث إذا عن الأُطر الأخلاقية التي ستساعدك على تجاوز كل تلك المتاهات الأخلاقية.
00:07:05
تعرف هذه الأُطر بالنظريات الأخلاقية.
00:07:08
وهي الثوابت الأخلاقية التي ستساعدك على التوصل إلى أجابات مُتسقة حول السلوك الجيد والسيئ.
00:07:12
ولدى جميع النظريات الأخلاقية نوعٌ من الفرضيات الأساسية غير المُستغربة، بسبب أن مُعتقداتنا جميعها مبنية على بعض المُعتقدات الأساسية أو المُفترضة.
00:07:20
فمثلًا، تستند نظرية القوانين الطبيعية -التي سندرسها قريبًا- إلى فرضية مبدئية تقول بأن الإله خلق الكون وفقًا لنظام مُحكم.
00:07:27
بينما تستند نظرية أخلاقية اخرى تُعرف بنظرية المنفعة، إلى فرضية مبدئية تقول بأن لدى جميع الكائنات رغبة مشتركة للسعي خلف المُتعة وتجنب الألم.
00:07:35
قد تقودنا الفرضيات المبدئية لنظرية ما إلى مُعتقدات أخرى، لكن في حالة رفضك لهذه الفرضيات الأولية، فلن تتسق بقية النظرية معًا.
00:07:42
تتألف النظريات الأخلاقية بالإضافة إلى الفرضيات الأولية من مبادئ أخلاقية أيضًا، وهي الأسس التي صُنعت منها النظريات.
00:07:49
وقد توجد مبادئ مُشتركة بين النظريات.
00:07:52
فمثلًا، تتفق العديد من النظريات الأخلاقية على أن مبدأ التسبب بمعاناة غير مبررة أمرٌ خاطئ.
00:07:57
بعضها تتبنى مبدأ أن أي قتل غير مُبرر أمر خاطئ -بما فيه قتل الحيوانات- بينما تتبنى أخرى مبدأ أن القتل غير المبرر أمر خاطئ للبشر فحسب.
00:08:07
لكن مايُميز النظريات الأخلاقية أن العديد من الأشخاص لايتبنون واحدة منها فقط.
00:08:11
بل يتبنون مبادئ من نظريات عدة تساعدهم على خلق آرائهم الأخلاقية الخاصة.
00:08:16
وسنقضي عدة أسابيع نتعرف فيها على تلك النظريات الأخلاقية، وعلى الأرجح ستجد جزءًا من بعضها كنت قد آمنت به مسبقًا، وأخرى تختلف معها تمامًا.
00:08:24
لكن كل هذا القبول والرّفض سيساعدك على تطوير طريقة جديدة للتحدث -والتفكير- عن ما نسميه الآن، حَدسك الأخلاقي الغريزي.
00:08:32
تحدثنا اليوم عن فلسفة ما بعد الأخلاق.
00:08:34
وناقشنا ثلاث فئات من الواقعية الأخلاقية وتعلمنا الاختلاف بين النسبية الثقافية الوصفية والمعيارية.
00:08:41
وتعلمنا أيضًا عن الموضوعية الأخلاقية والتي هي فئة من اللاوقعية الأخلاقية.
00:08:45
ومقدمة عن مفهوم النظرية الأخلاقية.
00:08:47
سنتعلم في المرة القادمة عن إحدى النظريات الأخلاقية والتي تعرف بنظرية الأمر الإلهي.
00:08:52
أُنتج كراس كورس الفلسفة بالتعاون مع أستوديوهات بي بي إس الرقمية.
00:08:56
بإمكانك التوجه إلى قناتهم والاطلاع على أحدث حلقات البرامج مثل:
00:08:59
فيزيكس قيرل، شانكس اف اكس، وبي بي اس سبيس تايم.
00:09:02
صُورت هذه الحلقة من كراش كورس الفلسفة في استديو كراش كورس في دكتور شيرل سي كيني.
00:09:07
بمساعدة هؤلاء الرائعين وفريق الرسومات المُدهش ثوت كافي.
ترجمة: فريق أُترجم @autrjim