00:00:00
"الأدب"
00:00:04
"تشارلز ديكنز
00:00:08
"كان تشارلز ديكنز أشهر كتّاب اللغة الإنجليزية في القرن التاسع عشر، وأكثر الكتّاب مبيعًا في كل العصور
00:00:15
يمكنك أن ترى من بعيد المعاطف القطيفة، ولحية على شكل ذيل السمكة، وربطة العنق، ولكن لديه الكثير ليخبرنا عنه اليوم
00:00:24
وهذا لأن لديه طموحًا مميزًا
00:00:26
فهو يؤمن أن الكتابة يمكن أن تلعب دورًا كبيرًا في حل مشكلات العالم
00:00:34
لم يكتفِ ديكنز بالكتابة فقط، فمنذ البداية وهو يُظهر دلالات لممثل بارع؛ وهو طفل أحبّ تأدية مسرحيات في مطبخ العائلة، والغناء على طاولة في حانة شعبية
00:00:44
قبل أن نسمع عن المذياع أو التلفاز، كان ديكنز يؤدي عروضًا مميزة.
00:00:51
وبالرغم من خوف أصدقائه الأدباء، ظل الترفيه في صميم ما كان ديكنز يفعله
00:00:59
وكان يسعى دائمًا لآن يجعلنا نهتم ببعض الأشياء الهامة جدًا؛ شرور المجتمع الصناعي، وشروط العمل في المصانع
00:01:07
وعمالة الأطفال، والتكبر الاجتماعي البغيظ، وعدم الكفاءة المزعجة في بيروقراطية الحكومة
00:01:13
ونظريًا ندرك أن هذه المشكلات وأشكالها الحديثة موضوعات جديرة بالاهتمام
00:01:18
ولكن إذا كنا صرحاء مع أنفسنا، لاعترفنا أنها لا تبدو جاذبة للقراءة عنها في رواية، في السرير، أو في المطار
00:01:26
كانت عبقرية ديكنز تهدف إلى اكتشاف أن الطموحات الكبيرة بتثقيف المجتمع عن مشكلاته لا يجب أن تتعارض مع ما يسميه النقّاد بالمرح
00:01:35
كالحبكات القوية، والأسلوب الثرثار، والشخصيات البهلوانية، واللحظات المؤثرة، والنهايات السعيدة
00:01:41
رفض فكرة أننا يجب أن نتخذ خيارًا مصيريًا بين كونك قيّمًا ولكن مملًا، وبين كونك مشهورًا ولكن سطحيًا
00:01:49
بدأ ديكنز في التثقيف عن طريق الترفيه؛ لأنه أدرك جيدًا كم من السهل علينا فرديًا وجماعيًا أن نقاوم بعض الدروس الصعبة والمهمة
00:02:00
يعتبر ديكنز مميز لأنه كان يعمل في عصره على كيفية صنع شيء قاسٍ لعصرنا وكيف تصبح مخادعًا في الأشياء الهامة
00:02:14
ولد تشارلز ديكنز في بورتسموث في فبراير عام 1812. كان أبوه موظفًا في مكتب البحرية، وكان عليهم الانتقال باستمرار ليلحق مواعيده المختلفة
00:02:23
كانت حياةً أنيقة في البداية ولكن دائمًا ما كانت تظهر المشكلات المالية
00:02:27
عندما كان ديكنز في العاشرة من عمره، اضطر إلى ترك المدرسة لأنه لم يعد بإمكان والديه تحمل أقل المصاريف
00:02:33
أُرسل للعمل في تلميع الأحذية في لندن حيث كانوا يصنعون مادة تلميع تعطي بريقاً أسودَ7، لقى رواجًا حينها على الأسطح المعدنية. كانت تجربة صارمة
00:02:43
كَره ديكنز الصغير العوادم، والسرعة العالية الذي كان عليه أن ينفذ معها مهمات متكررة
00:02:48
وكان الناس الذين يعمل معهم متشائمين ويتنمرون عليه
00:02:51
ثم أُلقي القبض على والده لانغماره في الديون، وفي ذلك الوقت يمكن للدائن حبس المدينين مع عوائلهم حتى يبدأوا في سد ما اقترضوه من مال
00:03:01
لذا انتقلت العائلة كلها إلى سجن المارشلسي القذر ما عدا ديكنز الصغير الذي أقام بالقرب منهم واستمر في وظيفته الشنيعة
00:03:09
ويأتي جزء من الإعجاب المستمر الشهير بديكنز من إحساسه القوي بتداعي الحياة، وإشفاقه العميق على من هم ضحاياه
00:03:19
عندما تحسنت حياة ديكنز في أوائل العشرينات من عمره، اكتشف أنه كان صحفيًا بارعًا بشكل باهر
00:03:25
كان ديكنز جيدًا في تذكر معاناته، واستخدمها بطريقة ذكية للغاية؛
00:03:31
فكان دائمًا ما يضع شخصيات لطيفة جدًا وسط أماكن رهيبة في العصر الفيكتوري بإنجلترا
00:03:36
فرواية (دايفيد كوبرفيلد) تصف مصنع تلميع الأحذية من خلال نظرة دايفيد الصغير الذي كان مرهف الحس، وذكي، وأخّاذ
00:03:43
دايفيد هو القارئ الصغير أو ابن القارئ أو ابن الأخ.
00:03:47
يقول ديكنز: تخيل شخصًا مثلك أو شخصًا يعجبك في مكان كهذا.
00:03:53
عندما يكتب ديكنز عن البيوت الفقيرة والتي كانت أماكن عمل القوى المحلية لغير القادرين على دعم أنفسهم
00:03:59
يرسل ديكنز أوليفر توسيت الصغير الذي ينتمي إلى عائلة ثرية والتي أُبعد عنها بسبب سلسلة من الحوادث المأساوية
00:04:08
أوليفر ليس مثل هؤلاء الذين انتهى بهم الأمر في منازل فقيرة
00:04:11
ولكنه هناك لكي يجعل قارئيه- كانوا من الأغنياء في ذلك الوقت - يفكروا: ماذا لو كان هذا أنا؟
00:04:19
وعندما تحدث ديكنز عن مصائب سجن الديون كان في صحبة بلياتشو محبوب
00:04:24
وهو رجل قدوة وصافي النية ويُعرف بالسيد ماكابل
00:04:28
الافتراض الوقائي السابق قد ينتهي هنا بأنواع غامضة مثقوبة
00:04:34
كان يعمل ديكنز على افتراض أساسي، وبالطبع علم الجميع منه البيوت الفقيرة، وظروف العمل السيئة، وسجن المدينيين
00:04:42
وهذه كانت الوقائع البينة للحياة في إنجلترا في القرن التاسع عشر
00:04:45
والشاهد هو أن ذلك النوع من الناس المرفهين القادرين على إحداث تغيير
00:04:50
لم يشعروا بالكثير من الإلحاح، ولم يشعروا بالاتصال الشخصي بالمشكلات
00:04:56
لذا استخدم ديكنز خبرته لإهمام الناس وإعطافهم مع محن الآخرين التي في العادة يكونون بعيدين عنها عاطفيًا
00:05:06
فهو لم يقل لهم انظروا كم هذا بشع ولكن قال هذا ما قد تكونوا عليه
00:05:12
في العالم المثالي ربما نهتم تقريبًا بالجميع على حد سواء
00:05:16
ولكن في الواقع نحن نتجه مباشرةً للاهتمام أكثر بالمساكين اللطفاء
00:05:22
لذا إذا كنت مثل ديكنز تهدف إلى جذب الانتباه إلى مشكلة في النظام، فاتباع الطريقة التي كان يعمل بها ديكنز ستكون استراتيجية دفاع جيدة للغاية
00:05:31
وهي أن يميلنا لهؤلاء الذين يمرون بمحن وحينها فقط نبدأ نشعر بالصلة بهم
00:05:41
وما فعله ديكنز أيضًا ليبقينا على اطّلاع على رؤيته السامية في الإصلاح الاجتماعي هو أنه حرص على إظهار مدى إدراكه للأشياء الممتعة المريحة
00:05:52
لم يرد على الإطلاق أن تظهر الأسباب الأساسية كسبب لعدم تمكنه من الإعجاب بكل متع الحياة
00:05:58
كان ديكنز بارعًا جدًا في استحضار مُتع البيت
00:06:02
ففي أحد رواياته يأخذنا في جولة إلى منزل شخص كبير في السن محبوب ومميز والذي أعاد تصميم منزل حضري إلى قلعة صغيرة
00:06:09
أنهاه بجسر متحرك يمكن رفعه بحبل متين ليُبقي العالم المضطرب بعيدًا
00:06:15
أحب ديكنز النزهات الخلوية، ولعب الكريكت في الحديقة، والتسوق لشراء رابطة عنق جديدة
00:06:20
وتناوول الدونات، والجلوس بجوار المدفأة، وتجمع الأصدقاء لتناول العشاء معًا، والأغطية الدافئة، والذهاب في عطلة
00:06:25
يقول ديكنز أن تكون شخصًا محبًّا وطيبًّا لا يعني أن تقبل بالمتع العادية الصغيرة
00:06:31
وهذا عنصرٌ رئيسيٌ في استراتيجية ديكنز العامة، هو يعلم أنه من الصعب جعل الناس يفكروا في الأمور الصعبة
00:06:38
فإن لم تبدأ بتعريف عميق بما يعجبنا بالفعل؛ فستعطي انطباعًا بالبرود وقليلًا من التسلط
00:06:48
يأخذ ديكنز جانب الكتابة الفعلي على محمل الجد؛ فقد كان شخصًا منتجًا بشكل هائل؛ فأنتج العديد من الكتب
00:06:54
وكان شديد الاهتمام بأشكال مبيعات قانون الملكية الأدبية، وهوامش الربح
00:06:59
ولكن لم يرد ديكنز مجرد بيع العديد من الروايات، بل أراد تغيير أشياء في العالم ولكنه علم جيدًا أن كتابًا لن يؤثر إلا إذا كان في انتشار واسع
00:07:08
أو إذا كان جانب التجارة في حالٍ جيدة.
تجذب كتاباته الانتباه إلى الأشياء التي تسير بشكل خاطئ
00:07:14
مثل قانون الفقراء، والحالة المفزغة في المدارس، والمحسوبية المنتشرة، وظروف العمل القاسية
00:07:19
ولكنه لم يكن يحاول الانحياز لنمط معين من الإصلاح، ولكن أراد توضيح ماذا يجب على الحكومة أن تفعل لتحسين ظروف العمل في المصانع
00:07:27
أو كيف سيبدو النظام القانوني أفضل، فهو لم يكن لديه سياسة بديلة فعّالة بحرص ليسلمها
00:07:33
ما كان يفعله هو تشكيل مناخ المشاعر والرأي، مما يسهله للناس الذين يسعون للحصول على مكان في البرلمان، أو رفع الدعم، أو عمل تحسينات محلية
00:07:44
في حين يمكن للآخرين أن يكونوا أكثر استعدادًا لرؤية المغزى من العمل السياسي بمجرد الاستفادة من البرنامج العقلي والشعور بقربه منا عاطفيًا
00:07:53
كان ديكنز مهتمًا للغاية بمساعدة العالم، وكان متعاطفًا جدًا مع معاناة الآخرين
00:08:00
ولكن فيما يتعلق بمنزله، لم تسر الأمور على ما يرام؛ فلم يكن زوجًا وأبًا جيدًا.
00:08:05
تزوج عام 1837 في منتصف العشرينات من عمره من كاثرين هوجارث، وأنجبوا عشرة أطفال، ثمانية منهم عاش إلى سن الرشد
00:08:13
ولكن ديكنز رآها مملة وسلبية، وعندما وصل لمنتصف الأربعينات وقع في حب ممثلة ذات التاسعة عشر عامًا تدعى إيلين تيرنان
00:08:21
لم يستطع الحصول على الطلاق لأنه كان شيئًا معيبًا بالنسبة لشخصية مشهورة أن تفعل ذلك
00:08:26
لذا انفصلوا وغادرت زوجته بعد زواج دام عشرين عامًا ولم يروا بعضهما مرةً أخرى.
00:08:31
لم يرق لديكنز أيًا من أطفاله الذي اعتبرهم كسالى، وكانوا على استعداد لإفلاسه
00:08:37
كانوا متلهفين للشرب والمقامرة كثيرًا.
يعدّ ديكنز بمثابة المنبه المؤلم الذي يذكرنا بالصراع الشنيع الذي ينشب بين أنواع البر المختلفة
00:08:46
كان ديكنز دؤوبًا في عمله؛ كان يبقى لوقت متأخرإذا تطلب الأمر، وكان العمل أول شيء يفكر به في الصباح، ويرهق نفسه.
00:08:53
وكان بين أطفاله وزوجته شخصًا عاديًا، ومتآمرًا، ومنسلخًا عنهم بتبلد.
00:08:59
يمكننا إلقاء اللوم عليه والقول إنه كان عليه أن يكون شريكًا وأبًا أفضل،
00:09:03
أو يمكننا أن نشعر بنزعة شفقة على الحدود السيئة في طبيعتنا التي تعيقنا أن نصبح جيدين في مجالين مختلفين في الوقت ذاته
00:09:13
متأملين أن ينتقل القليل من هذه الشفقة إلى أنفسنا بما أننا الآن في حاجةٍ إليها
00:09:19
توفي ديكنز في الثامن عشر من يونيو عام 1817 عندما كان في الثامنة والخمسين من عمره في منزله بعد يوم عمل مكثف اعتيادي
00:09:25
كان في المراحل الأولى لكتابة روايته الخامسة عشر، ونشرت جريدة الجاريدن نعي في اليوم التالي:
00:09:31
"أينما تستخدم اللغة الإنجليزية سنستقبل الفقرة النابغة التي ننشرها هذا الصباح وهي من أعمال المتوفي السيد تشارلز ديكنز بعظيم الأسف.
00:09:40
في وقت مبكر الليلة الماضية وصلنا علم أن الروائي الفريد أصيب بالشلل في منزله بجادز هيل كنت."
00:09:47
لا تنحصر قوة ديكنز في الأشياء المحددة التي كتبها فقط، ولكن الأكثر ادهاشًا هو الفكرة الأكبر التي كان مخلصًا لها طوال حياته
00:09:54
وهي أن مهمة الكتابة والفن بشكل عام هي جذب الخير وجعله أكثر سهولة وتحملًا بالنسبة لنا أن نتعلم دروس غير مريحة ولنوسّع دائرة تعاطفنا
00:10:05
بمساعدتنا في التعرف على الناس الذين تبدو حياتهم الظاهرية غير حياتنا ولكن حياتهم الداخلية لا تختلف كثيرًا